“أريد أن أضفر لك بأسلوب مليزي باقة من الحكايات المتنوعة، تدغدغ أذنك الصاغية برنين عذب، إذا كنت ممن لا يأنف من النظر في أوراق البردي المصرية، التي كتبتها بقصب النيل، إلى درجة أنك ستعجب كيف يتخذ بعض الناس أشكالاً غريبة ثم يستعيدون صورهم الأصلية على وجه مغاير. وها أنذا أبدأ حكاياتي، لكني أراك تتساءل: من هذا يا ترى؟ اعلم إذن باختصار: أن جبال هيميتوس في أتيكا، وإيتيموس المجاورة لإيفيرا وتيناروس في بلاد الإسبرطيين، تلك البروج البديعة، التي خلدت في كتب رائعة، هي موطن سلالتي، فهناك أخذت وأنا طفل صغير مبادئ اللغة الأتيكية، وانتقلت بعد ذلك إلى مدينة لاتيا، وأجهدت نفسي في تعلم لغة الرومان إلى أن أتقنتها، لذلك أرجو أيها القارئ، أن تعذرني إن أنا تعثرت في هذه اللغة الأجنبية من حين لآخر. مع ذلك فإن هذه الرطانة مناسبة للهدف الذي وضعته نصب عيني، وهو التسلية؛ إن هذه الحكاية، التي سأبدأ بروايتها، يونانية الأصل. فانتبه، فإنك ستنال حظك من التسلية!”.
من الممكن تلخيص الحدث الرئيسي في هذه الرواية “الحمار الذهبي”، كما جاء في بعض كتب تاريخ الأدب الأوروبي على الشكل التالي: إنها قصة إنسان يهتم بالسحر، ويحب أن يتحول إلى طير، ولكنه يتحول إلى حمار. يتوجه شاب يوناني، يدعى لوكيوس، من مدينة كورنث، لأسباب عائلية إلى مدينة هيباتا بمقاطعة تيساليا. فيلتقي في طريقه إليها بمسافرين، سمع من أحدهما حكاية بشعة، ولكنها مثيرة عن الأعمال السحرية، حركت فضوله. وعندما وصل مدينة هيباتا، نزل ضيفاً على غني بخيل يدعى ميلو، والتقى في المدينة بصديقة لأمه، حذرته من الأعمال السحرية، التي تمارسها بامفيلا، زوجة مضيفه ميلو، وتمضي الأحداث لتمكنه الظروف من رؤية بامفيلا وهي تمارس أعمالها السحرية، وشاهدها كيف تأخذ بالمرهم الذي تدهن به جسمها للتحول إلى بومة، ومن حينها حرص لوكيوس أن يعيش هو نفسه تجربة تحول من هذا النوع، فألح على خادمة بامفيلا فأحضرت له المرهم المطلوب، إلا أنها أخطأت في تناول العلبة المناسبة، فكانت نتيجة ذلك هو أن تحول لوكيوس بعد أن دهن جسده إلى حمار بدل أن يتحول إلى طائر، وراح هو نفسه يشاهد كيف أخذت تبرز في جسمه كل أعضاء الحمار وكيف أخذ يتصف بجميع صفاته الظاهرة باستثناء عقله، الذي ظل عقل إنسان بما له من إحساس وإدراك وتدبير. وهنا تبرز المفارقة، وتأخذ الأحداث مجراها الممتع الذي يأخذ أبعاداً فلسفية نفسية اجتماعية تاريخية.
ومن جهة أخرى فقد كان من الأولى لبطل الرواية أن يسمى الحمار الوردي، فلون الورد ألصق بالرواية من لون الذهب فقد ذكر الورد أكثر من مرة، فوصف البطل بأنه وردي البشرة، ووصفت حبيبته بأنها وردية اليد، والأكثر من ذلك أنه كان يحلم بالورد طيلة فترة تحوله، ويفرّ كلما رأى الورد أو ما يشبه الورد: لأنه يجسم الخلاص بالنسبة إليه. وهذه الأوصاف الوردية تذكر بالأوصاف، التي كان هومير، وهو لا شك قدوة الكاتب لوكيوس أبوليوس في أوصافه وفي مغامرات بطله بشكل من الأشكال، يخلعها على أبطاله في ملحمتيه، وجعل لكل الشخوص الفاعلة فيها معنى تستشف منه طبيعته وميوله.
من هنا يمكن القول بأن القارئ لا بد يدرك ومنذ البداية أنه في جوٍّ يوناني، فالمؤلف نفسه يشير إلى ذلك في مطلع الرواية، ومن ثم ليس هناك من شك في أن أصلها، أو المصدر الذي استمدت منه يوناني محض.
ويعد أبوليوس صاحب هذا العمل الأدبي واحد من الأفارقة، أو من أبناء شمال إفريقيا الذين برزوا في ميدان الأدب اللاتيني، واعتبر بحق ممثل اللاتينية الأفريقية ووصف بأمير خطباء أفريقيا وأكثرهم نفوذاً وشهرة في عصره، حتى ولو أهمله معاصروه من الأدباء ولم يتحدثوا، خصوصاً تيرتوليان، معاصره وابن مدينته المفضلة. وبالنسبة لروايته “الحمار الذهبي” فليس هناك في الحقيقة ما يمنع من اعتبارها ثاني رواية ظهرت في العالم، الأولى رواية ستيريكون الساخرة التي وصلت ناقصة واشتهر منها القسم المعروف تحت اسم مأدبة تريمالوخيو، إن صح أنها كانت الأولى فعلاً، غير أن رواية أبوليوس تعتبر على أية حال أول رواية قديمة وصلت كاملة، وشكلت نوعاً أدبياً جديداً هو النوع الذي يعرف اليوم بالرواية الإطارية، التي تضم مجموعة من القصص من جهة، وبالرواية الأنَوْيًّة أو الرواية التي يرويها المؤلف نفسه بطريق المتكلم من جهة أخرى.
رواية الحمار الذهبي | تأليف: لوكيوس أبوليوس
₪65.00
رواية الحمار الذهبي للكاتب : لوكيوس أبوليوس:
- أريد أن أضفر لك بأسلوب مليزي باقة من الحكايات المتنوعة، تدغدغ أذنك الصاغية برنين عذب
- إذا كنت ممن لا يأنف من النظر في أوراق البردي المصرية، التي كتبتها بقصب النيل
- إلى درجة أنك ستعجب كيف يتخذ بعض الناس أشكالاً غريبة ثم يستعيدون صورهم الأصلية على وجه مغاير
- وها أنذا أبدأ حكاياتي، لكني أراك تتساءل: من هذا يا ترى؟ اعلم إذن باختصار: أن جبال هيميتوس في أتيكا
- وإيتيموس المجاورة لإيفيرا وتيناروس في بلاد الإسبرطيين، تلك البروج البديعة
- التي خلدت في كتب رائعة، هي موطن سلالتي، فهناك أخذت وأنا طفل صغير مبادئ اللغة الأتيكية
- وانتقلت بعد ذلك إلى مدينة لاتيا، وأجهدت نفسي في تعلم لغة الرومان إلى أن أتقنتها، لذلك أرجو أيها القارئ
- أن تعذرني إن أنا تعثرت في هذه اللغة الأجنبية من حين لآخر
- مع ذلك فإن هذه الرطانة مناسبة للهدف الذي وضعته نصب عيني، وهو التسلية؛ إن هذه الحكاية
- التي سأبدأ بروايتها، يونانية الأصل. فانتبه، فإنك ستنال حظك من التسلية!”.
- من الممكن تلخيص الحدث الرئيسي في هذه الرواية “الحمار الذهبي”
- كما جاء في بعض كتب تاريخ الأدب الأوروبي على الشكل التالي: إنها قصة إنسان يهتم بالسحر
- ويحب أن يتحول إلى طير، ولكنه يتحول إلى حمار. يتوجه شاب يوناني، يدعى لوكيوس
- من مدينة كورنث، لأسباب عائلية إلى مدينة هيباتا بمقاطعة تيساليا. فيلتقي في طريقه إليها بمسافرين
- سمع من أحدهما حكاية بشعة، ولكنها مثيرة عن الأعمال السحرية، حركت فضوله
- وعندما وصل مدينة هيباتا، نزل ضيفاً على غني بخيل يدعى ميلو، والتقى في المدينة بصديقة لأمه
- حذرته من الأعمال السحرية، التي تمارسها بامفيلا، زوجة مضيفه ميلو
- وتمضي الأحداث لتمكنه الظروف من رؤية بامفيلا وهي تمارس أعمالها السحرية
- وشاهدها كيف تأخذ بالمرهم الذي تدهن به جسمها للتحول إلى بومة
- ومن حينها حرص لوكيوس أن يعيش هو نفسه تجربة تحول من هذا النوع
- فألح على خادمة بامفيلا فأحضرت له المرهم المطلوب، إلا أنها أخطأت في تناول العلبة المناسبة
- فكانت نتيجة ذلك هو أن تحول لوكيوس بعد أن دهن جسده إلى حمار بدل أن يتحول إلى طائر
- وراح هو نفسه يشاهد كيف أخذت تبرز في جسمه كل أعضاء الحمار
- وكيف أخذ يتصف بجميع صفاته الظاهرة باستثناء عقله، الذي ظل عقل إنسان بما له من إحساس وإدراك وتدبير
- وهنا تبرز المفارقة، وتأخذ الأحداث مجراها الممتع الذي يأخذ أبعاداً فلسفية نفسية اجتماعية تاريخية
- ومن جهة أخرى فقد كان من الأولى لبطل الرواية أن يسمى الحمار الوردي
- فلون الورد ألصق بالرواية من لون الذهب فقد ذكر الورد أكثر من مرة، فوصف البطل بأنه وردي البشرة
- ووصفت حبيبته بأنها وردية اليد، والأكثر من ذلك أنه كان يحلم بالورد طيلة فترة تحوله
- ويفرّ كلما رأى الورد أو ما يشبه الورد: لأنه يجسم الخلاص بالنسبة إليه
- وهذه الأوصاف الوردية تذكر بالأوصاف، التي كان هومير
- وهو لا شك قدوة الكاتب لوكيوس أبوليوس في أوصافه وفي مغامرات بطله بشكل من الأشكال
- يخلعها على أبطاله في ملحمتيه، وجعل لكل الشخوص الفاعلة فيها معنى تستشف منه طبيعته وميوله
- من هنا يمكن القول بأن القارئ لا بد يدرك ومنذ البداية أنه في جوٍّ يوناني
- فالمؤلف نفسه يشير إلى ذلك في مطلع الرواية، ومن ثم ليس هناك من شك في أن أصلها
- أو المصدر الذي استمدت منه يوناني محض. ويعد أبوليوس صاحب هذا العمل الأدبي واحد من الأفارقة
- أو من أبناء شمال إفريقيا الذين برزوا في ميدان الأدب اللاتيني
- واعتبر بحق ممثل اللاتينية الأفريقية ووصف بأمير خطباء أفريقيا وأكثرهم نفوذاً وشهرة في عصره
- حتى ولو أهمله معاصروه من الأدباء ولم يتحدثوا، خصوصاً تيرتوليان، معاصره وابن مدينته المفضلة
- وبالنسبة لروايته “الحمار الذهبي” فليس هناك في الحقيقة ما يمنع من اعتبارها ثاني رواية ظهرت في العالم
- الأولى رواية ستيريكون الساخرة التي وصلت ناقصة واشتهر منها القسم المعروف تحت اسم مأدبة تريمالوخيو
- إن صح أنها كانت الأولى فعلاً، غير أن رواية أبوليوس تعتبر على أية حال أول رواية قديمة وصلت كاملة
- وشكلت نوعاً أدبياً جديداً هو النوع الذي يعرف اليوم بالرواية الإطارية، التي تضم مجموعة من القصص من جهة
- وبالرواية الأنَوْيًّة أو الرواية التي يرويها المؤلف نفسه بطريق المتكلم من جهة أخرى.
49 متوفر في المخزون
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.