“كل ما أدريه أنني مذ غادرت الجزائر ما عدت ذلك الصحافي ولا المصوّر الذي كنته. أصبحت بطلاً في رواية، أو في فيلم سينمائي يعيش على أهبة مباغتة؟ جاهزاً لأمر ما.. لفرح طارئ أو لفاجعة مرتقبة. نحن من بعثرتهم قسنطينة، ها نحن نتواعد في عواصم الحزن وضواحي الخوف الباريسي. حتى من قبل أن نلتقي حزنت من أجل ناصر، من أجل اسم أكبر من أن يقيم ضيفاً في ضواحي التاريخ، لأن أباه لم يورثه شيئاً عدا اسمه، ولأن البعض صنع من الوطن ملكاً عقارياً لأولاده، وأدار البلاد كما يدير مزرعة عائلية تربي في خرائبها القتلة، بينما يتشرد شرفاء الوطن في المنافي. جميل ناصر، كما تصورته كان. وجميلاً كان لقائي به، وضمة منه احتضنت فيها التاريخ والحبّ معاً، فقد كان نصفه سي الطاهر ونصفه حياة. كانت شقته على بساطتها مؤثثة بدفء عن استعاض بالأثاث الجميل عن خسارة ما، ومن استعان بالموسيقى القسنطينية ليغطي على نواح داخلي لا يتوقف… رحت أسأل ناصر عن أخباره وعن سفره من ألمانيا إلى باريس إن كان وجد فيه مشقة. ردّ مازحاً: كانت الأسئلة أطول من المسافة! ثم أضاف أقصد الإهانات المهذبة التي تقدم إليك من المطارات على شكل أسئلة قال مراد مازحاً: واش تريد يا خويا..” وجه الخروف معروف”! ردّ ناص: معروف بماذا؟ بأنه الذئب؟ أجاب مراد: إن لم تكن الذئب، فالذئاب كثيرة هذه الأيام. ولا أرى سبباً لغضبك. هنا على الأقل لا خوف عليك ما دمت بريئاً. ولا تشكل خطراً على الآخرين. أما عندنا فحتى البريء لا يضمن سلامته! ردّ ناصر متذمراً: نحن نفاصل بين موت وآخر، وذلّ وآخر، لا غير. في الجزائر يبحثون عنك لتصفيتك جسدياً. عذابك يدوم زمن اختراق رصاصة. في أوروبا بذريعة إنقاذك من القتلة يقتلونك عرياً كل لحظة، ويطيل من عذابك أن العري لا يقتل بل يجردك من حميميتك ويغتالك مهانة. تشعر أنك تمشي بين الناس وتقيم بينهم لكنك لن تكون منهم، أنت عارٍ ومكشوف ومشبوه بسبب اسمك، وسحنتك ودينك. لا خصوصية لك برغم أنك في بلد حر. أنت تحب وتعمل وتسافر وتنفق بشهادة الكاميرات وأجهزة التنصت وملفات الاستخبارات”.
رواية عابر سرير (الطبعة الاصلية)| تأليف: احلام مستغانمي
₪45.00
رواية عابر سريرللكاتبة : أحلام مستغانمي:
- “كل ما أدريه أنني مذ غادرت الجزائر ما عدت ذلك الصحافي
- ولا المصوّر الذي كنته. أصبحت بطلاً في رواية
- أو في فيلم سينمائي يعيش على أهبة مباغتة؟
- جاهزاً لأمر ما.. لفرح طارئ أو لفاجعة مرتقبة. نحن من بعثرتهم قسنطينة
- ها نحن نتواعد في عواصم الحزن وضواحي الخوف الباريسي.
- حتى من قبل أن نلتقي حزنت من أجل ناصر
- من أجل اسم أكبر من أن يقيم ضيفاً في ضواحي التاريخ
- لأن أباه لم يورثه شيئاً عدا اسمه
- ولأن البعض صنع من الوطن ملكاً عقارياً لأولاده،
- وأدار البلاد كما يدير مزرعة عائلية تربي في خرائبها القتلة
- بينما يتشرد شرفاء الوطن في المنافي. جميل ناصر
- كما تصورته كان. وجميلاً كان لقائي به
- وضمة منه احتضنت فيها التاريخ والحبّ معاً
- فقد كان نصفه سي الطاهر ونصفه حياة
- كانت شقته على بساطتها مؤثثة بدفء عن استعاض بالأثاث الجميل عن خسارة ما
- ومن استعان بالموسيقى القسنطينية ليغطي على نواح داخلي لا يتوقف… رحت أسأل ناصر عن أخباره
- وعن سفره من ألمانيا إلى باريس إن كان وجد فيه مشقة.
- ردّ مازحاً: كانت الأسئلة أطول من المسافة!
- ثم أضاف أقصد الإهانات المهذبة التي تقدم إليك من المطارات على شكل أسئلة
- قال مراد مازحاً: واش تريد يا خويا..” وجه الخروف معروف”!
- ردّ ناص: معروف بماذا؟ بأنه الذئب؟
- أجاب مراد: إن لم تكن الذئب، فالذئاب كثيرة هذه الأيام.
- ولا أرى سبباً لغضبك. هنا على الأقل لا خوف عليك ما دمت بريئاً
- ولا تشكل خطراً على الآخرين. أما عندنا فحتى البريء لا يضمن سلامته!
- ردّ ناصر متذمراً: نحن نفاصل بين موت وآخر، وذلّ وآخر
- لا غير. في الجزائر يبحثون عنك لتصفيتك جسدياً.
- عذابك يدوم زمن اختراق رصاصة. في أوروبا بذريعة إنقاذك من القتلة يقتلونك عرياً كل لحظة
- ويطيل من عذابك أن العري لا يقتل بل يجردك من حميميتك ويغتالك مهانة. تشعر أنك تمشي بين الناس
- وتقيم بينهم لكنك لن تكون منهم، أنت عارٍ ومكشوف ومشبوه بسبب اسمك
- وسحنتك ودينك. لا خصوصية لك برغم أنك في بلد حر. أنت تحب وتعمل
- وتسافر وتنفق بشهادة الكاميرات وأجهزة التنصت وملفات الاستخبارات”.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.