عشية وداع التسعينات حفل الداخل الإسلامي من خلال مطبوعاته وندواته الخاصة بنقاش غزير ومعالجات متنوعة حول الحاجة إلى التجديد، ومشروعية المراجعة، وكان ثمة ترحيب متلهف بأية أطروحات أو استضافات في هذا السياق، وكانت تلك الأطروحات في مجملها أطروحات منتمية تتحاكم للمعايير الشرعية، وتطرح التجديد مستهدفة تعزيز الحضور الإسلامي وامتداده إلى مناطق جديدة، لا التجديد بهدف إزاحة المحتوى الديني أو تقليص وجوده. إلا أنه وبعد أحداث (سبتمبر 2001 م) بدأت نغمة الخطاب التجديدي تتغير حميميتها وإن بقيت تدور ضمن شروط الداخل الإسلامي، ولم يعلن سقوط بغداد مطلع العام (2003 م) إلا وقد سقطت كثير من رايات الإنتماء، وانسحبت كثير من تلك الأصوات التجديدية من الداخل الإسلامي إلى معسكر مختلف تماما. صحيح أنه لا تزال هناك شخصيات تجديدية تحتفظ برزانتها الشرعية واستقلالها السياسي، وينتصب أمامها المرء بإجلال صادق- وهم كثير، ولله الحمد – إلا أننا يجب أن نعترف بكل وضوح أنه قد تطور الأمر بكثير من أقلام الخطاب المدني إلى مآلات مؤلمة تكاد عيون المراقب تبيض من الحزن وهو يشاهد جموحها المتنامي ! كثير من تلك الطاقات الشبابية المفعمة التي بدأت مشوارها بلغة دعوية دافئة أصبحت اليوم – ويا لشديد الأسف – تتبنى مواقف علمانية صريحة، وتمارس التحييد العملي لدور النص في الحياة العامة، وانهمكت في مناهضة الفتاوى الدينية والتشغيب عليها، وانجرت إلى لعب دور كتاب البلاط، فأراقت كرامتها ودبجت المديح، وأصبحت تتبرم باللغة الإيمانية وتستسذجها، وتتحاشى البعد الغيبي في تفسير الأحداث، بل وصل بعضهم إلى التصريح باعتراضات تعكس قلقا عميقا حول أسئلة وجودية كبرى، واستبدلت هذه الشريحة بمرجعية الدليل مرجعية الرخصة أينما وجدت بغض النظر هل تحقق المراد الإلهي، أم لا؟ وتحولت من كونها مهمومة بتنمية الخطاب الإسلامي إلى الوشاية السياسية ضده، والتعليق خلف كل حدث أمني بلغة تحريضية ضد كل ما هو إسلامي، وغدت مولعة بالربط الجائر بين أحداث العنف والمؤسسات الدعوية.
كتاب مآلات الخطاب المدني |تأليف : إبراهيم السكران | مركز تفكر للبحوث والدراسات | دار الحضارة للنشر والتوزيع
₪55.00
عشية وداع التسعينات حفل الداخل الإسلامي من خلال مطبوعاته وندواته الخاصة بنقاش غزير ومعالجات متنوعة حول الحاجة إلى التجديد، ومشروعية المراجعة، وكان ثمة ترحيب متلهف بأية أطروحات أو استضافات في هذا السياق، وكانت تلك الأطروحات في مجملها أطروحات منتمية تتحاكم للمعايير الشرعية، وتطرح التجديد مستهدفة تعزيز الحضور الإسلامي وامتداده إلى مناطق جديدة، لا التجديد بهدف إزاحة المحتوى الديني أو تقليص وجوده. إلا أنه وبعد أحداث (سبتمبر 2001 م) بدأت نغمة الخطاب التجديدي تتغير حميميتها وإن بقيت تدور ضمن شروط الداخل الإسلامي، ولم يعلن سقوط بغداد مطلع العام (2003 م) إلا وقد سقطت كثير من رايات الإنتماء، وانسحبت كثير من تلك الأصوات التجديدية من الداخل الإسلامي إلى معسكر مختلف تماما. صحيح أنه لا تزال هناك شخصيات تجديدية تحتفظ برزانتها الشرعية واستقلالها السياسي، وينتصب أمامها المرء بإجلال صادق- وهم كثير، ولله الحمد – إلا أننا يجب أن نعترف بكل وضوح أنه قد تطور الأمر بكثير من أقلام الخطاب المدني إلى مآلات مؤلمة تكاد عيون المراقب تبيض من الحزن وهو يشاهد جموحها المتنامي ! كثير من تلك الطاقات الشبابية المفعمة التي بدأت مشوارها بلغة دعوية دافئة أصبحت اليوم – ويا لشديد الأسف – تتبنى مواقف علمانية صريحة، وتمارس التحييد العملي لدور النص في الحياة العامة، وانهمكت في مناهضة الفتاوى الدينية والتشغيب عليها، وانجرت إلى لعب دور كتاب البلاط، فأراقت كرامتها ودبجت المديح، وأصبحت تتبرم باللغة الإيمانية وتستسذجها، وتتحاشى البعد الغيبي في تفسير الأحداث، بل وصل بعضهم إلى التصريح باعتراضات تعكس قلقا عميقا حول أسئلة وجودية كبرى، واستبدلت هذه الشريحة بمرجعية الدليل مرجعية الرخصة أينما وجدت بغض النظر هل تحقق المراد الإلهي، أم لا؟ وتحولت من كونها مهمومة بتنمية الخطاب الإسلامي إلى الوشاية السياسية ضده، والتعليق خلف كل حدث أمني بلغة تحريضية ضد كل ما هو إسلامي، وغدت مولعة بالربط الجائر بين أحداث العنف والمؤسسات الدعوية.
10 متوفر في المخزون
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.