“تعتبر رواية خرائط التّيه الرواية السادسة ل بثينة العيسى جاءتها بأسلوب و أفكار مختلفة عما سبق .
قد يوحي عنوان الرواية خرائط التيه بأنّه يحاكي التيه العربي بشكل عام في ظلّ أحداثٍ مدوّخة تُذهب العقل. لكنّ سرعان ما يتبدّد هذا الانطباع أمام معنى أكبر تطرحه بثينة حين تضع القارئ في مواجهة التيه الإنساني داخل عالمٍ مشوّه تغدو الحياة فيه أشبه بمتاهة لا خلاص منها.
تحكي خرائط التيه عن ألم والدين يفقدان فجأة طفلهما الصغير أثناء أداء مناسك الحج ورِحلة البحث عنه. سرعان ما تُسفر رحلة البحث عن الطّفل، عن رحلةٍ أخرى، وبحثٍ آخر، أعمق.. عن معنى الوجود، مفهوم الإله، وعلاقاتنا ببعضنا البعض. ماذا سيحدث للأسرة التي شدّت الرحال إلى الأرض المقدّسة من أجل الحج، ثمَّ خسرت كلّ شيء؟ حقائق مؤلمة، على المستوى الإنساني، السياسي، والاجتماعي، تتكشّف لشخوصِ العمل في خضمِّ بحثهم عن الطفل المفقود. حقائق تمتدُّ جغرافياً، من الكويت، إلى غرب وجنوب المملكة، وانتهاءً بسيناء مصر. ما هي القيمة الحقيقية للإنسان في هذا العالم؟ رحلة البحث من مضيقٍ إلى مضيق، هل هي رحلةٌ من تيهٍ إلى تيه؟ وفي النهاية يبقى السؤال، هل ثمة وصول؟ أم أنَّ الوصول هو مجرّدُ تيهٍ جديد؟
تتيح بثينة العيسى في خرائط التيه لقارئها أن يعايش تجربة مختلفة، لا هي حياة ولا موت. تأخذ بيده ليمشي فوق خطّ فاصل بين النجاة والسقوط.
وعبر «خرائطا»، تنقلنا إلى مرحلة ثالثة تهتز فيها الثوابت وتتبدل الرؤى. والدا مشاري يتشاركان المصيبة ذاتها في حين يتعامل معها كلٌ منهما على طريقته. الأم، تدخل في حالة من التصوّف. تُسلّم أمرها إلى السماء لعلّها تُعيد إليها ابنها. تتحرّك في بحثها عن ابنها المفقود بأمل تُغذّيه بالإيمان والابتهال. أمّا والده، فيُعلن سأمه من كلّ شيء، ويفقد ثقته بكلّ شيء. يمضي في البحث عن ولده مدفوعاً بغريزة الأبوة من دون أن ينعم بيقين المؤمنين. هكذا تختار الكاتبة أن ترصد موقفين إنسانيين متضادين تجاه مصيبة واحدة، لا للحكم أو الإدانة، إنما مراعاةً للحقيقة الإنسانية التي تجنح في أوقاتها المصيرية نحو النقيضين.
البعض منا يساعده الله… البعض الآخر عليه أن يساعد نفسه ..
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.