هل صحيحٌ ما يُقال عن مواقع الـ”فيس بوك” و”تويتر” بأنها صنيعة أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية حتى تتمكن هذه الأنظمة من معرفة ما تفكر به شعوب العالم وشعوب المنطقة العربية خصوصاً، وحتى تعرف توجهاتهم وأفكارهم ومطالبهم؟
هل وظفت “أجهزة الاستخبارات” مواقع التواصل الاجتماعي لإسقاط الأنظمة العربية ودعمت الشباب أثناء ثورات الربيع العربي مما جعل الحكومات والأنظمة العربية تسارع بإغلاق هذه المواقع بل والإنترنت كله عن دولهم؟
هل قامت إسرائيل بإنشاء تطبيق “Viber” الخاص بالمحادثات الصوتية عبر الهواتف الذكية بهدف التنصت على المكالمات الهاتفية عبر الإنترنت وتسجيلها ومعرفة ما يدور بها؟
أصلاً.. هل تطبيق “نظرية المؤامرة” ممكنٌ لتفسير ظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية؟ وكذلك لتفسير ظواهر سياسية عجزت النظم والحكومات المستبدة عن مواجهتها؟ وعجزت الشعوب الجاهلة عن تفسيرها؟ أم أن عجز كليهما عن مسايرة التطورات التكنولوجية والمساهمة في خدمة الحياة البشرية – عبر تقديم اختراعات واكتشافات تفيد الإنسانية- هو ما دفعهم لتبني هذه النظرية؟
يُروى عن الفيلسوف “سقراط” أنه كان في جلسة مع عدد من طلابه يتناقشون حول قضية من القضايا، وجاء أحدهم وهو يتبختر في مشيته، يزهو بنفسه، معجبٌ بشكله، فنظر إليه “سقراط” مطوَّلاً، ثم قال جملته الشهيرة التي أصبحت مثلاً “تكلم حتى أراك”، أما أنا الآن فأضع تعديلات على هذه الجملة الشهيرة لتتلائم مع العصر الحالي، وأقول له “أعطني حسابك على الفيس بوك حتى أراك”.
ذات مرة في فجر صيف 2011 كنت أتصفح موقع الـ”فيس بوك” حينما فوجئت بصورة إحدى زميلاتي في المقترحات من الأصدقاء Suggested Friends، وأعلم أنها بالفعل مضافة ضمن قائمة أصدقائي، فهل قامت بحذفي؟! وعندما فتحت صفحتها لكي أفهم ماذا حدث، وجدت اسم فتاة أخرى غير زميلتي، وقد قامت بسرقة جميع صورها من على صفحتها، وقامت بكتابة محتوى إباحي على هذه الصور وعرضته على صفحتها، في انتحال واضح لشخصيتها الحقيقية، وإساءة لسمعتها، وتشويه لصورتها.
ومرةً أخرى، في بداية شتاء عام 2012، حينما كنت أبحث عن إحدى الشقق السكنية لشرائها، فما كان مني إلا أن بادرت بالبحث على موقع “جوجل” عن شقق للإيجار، وحينما وجدت الشقة المناسبة، وذهبت إلى مالكها، وهو أعز أصدقائي الآن، طلبت منه الإيميل الشخصي الخاص به بعد مطالعة الشقة، على أن أرسل له صور بعض الأوراق، وقد أخذت هذا الإيميل وذهبت مباشرة إلى موقع الـ”فيس بوك”، لعلي أجد بعض المعلومات عن هذا الشخص وعن سلوكه وتصرفاته، حتى لا أقع ضحية لعملية نصب، فوجدت الكثير من خبراته سواء الوظيفية أو الأخلاقية عبر صفحته، بما شجَّعني على أخذ خطوة شراء الشقة دون تردد.
وفي إحدى المرَّات التي كنت أشارك فيها في مؤتمر علمي عن الأمن الإلكتروني ينظمه حلف الناتو كل عام في العاصمة الإستونية “تالين”، قابلت أحد المشاركين في المؤتمر، وكان ذلك في صيف 2015، وكعرف بين الباحثين أن يبادر كلٌ منّا الآخر بتعريف اسمه وإعطاء الكارت الشخصي الخاص به، والذي يحتوي على معلومات حول الاسم والوظيفة وبيانات الاتصال – بادرت بإعطاء الكارت الشخصي له، ولكن هذا المشارك اعتذر لي عن عدم وجود كارت شخصي معه، ولكن سرعان ما بادر وقال لي “ولكنّي لدي حساب على موقع فيس بوك”. فهل يحل الـ”فيس بوك” محل الكارت الشخصي؟
هذه هي بعض الأمثلة، وغيرها من الأمثلة الكثيرة التي تعرضت لها بصورة شخصية، أو تعرضْتَ لها حضرتك، أو على الأقل تعلم زميلاً لك قد تعرض لها، فلم يصبح السؤال: هل لديك حساب على مواقع التواصل؟ ولكن: كم حساباً لك على مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل الـ”فيس بوك” و”تويتر”، أم “إنستجرام” و”لنكد إن”، هل “واتس آب” و”فيبر”، أم “لاين” و”ويتشات Wechat”؟ فنادراً ما نجد أحداً – خاصةً من الشباب – ليس لديه حساب على مواقع التواصل الاجتماعي.
وحينما شهدت كيف يمكن أن تؤثر الهاشتاجات في مجريات الأحداث، وكيف أصبحت أداة لتشويه شخص، أو للدفاع عن شخص آخر، وحينما استغرقت في فهم ساحات التفاعل على مواقع التواصل، وجدت أنه عالم حقيقي، بإيجابياته وسلبياته، بحلوه ومرّه، فوجدت به شخصيات حقيقية للتعارف والتواصل وأخرى وهمية تديرها برامج كمبيوتر، ووجدت به سلعاً تجارية يمكن شرائها بصورة شرعية، وأخرى يتم تسويقها عبر سوق سوداء، ووجدت فيه أيضاً بائعات الهوى، وبائعي المخدرات والأسلحة، كما وجدت أيضاً مكاناً لمتابعة الأخبار، وفهم نبض الشارع الحقيقي، وأداة مجانية للتواصل الفعال بين الأفراد. فالمتناقضات كثيرة، والإيجابيات والسلبيات متنوعة.
فحاولت من خلال هذا الكتاب أن أضع بعض الأطر التحليلية دون تكلّف أو اصطناع مبالغ به، فالهدف هو فهم ماهية مواقع التواصل، وهل هي نفسها شبكات التواصل أم جزء منها؟ كيف نشأت؟ وما هي مراحل تطورها؟ وإلى أين سوف تصل؟ وكيف أصبحت مجالاً مفتوحاً للحروب؟ ومن يشارك فيها؟ وما هي أدوات القتال فيها؟ وما هي معايير الانتصار؟ وكيف يمكن لدولة أن تتعامل معها؟ هل من خلال الرقابة والمنع أم الإدارة والتقنين؟. أسئلة كثيرة حاولت قدر المستطاع في هذا الكتاب الصغير الإجابة عنها بصورة تخدم الباحثين والأكاديميين المهتمين بهذا المجال، وتخدم أيضاً الباحثين فقط عن المعرفة والاطلاع على الأمور.
كتاب حروب مواقع التواصل الاجتماعي | تأليف: إيهاب خليفة
₪34.00
- هل صحيحٌ ما يُقال عن مواقع الـ”فيس بوك” و”تويتر” بأنها صنيعة أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية
- حتى تتمكن هذه الأنظمة من معرفة ما تفكر به شعوب العالم وشعوب المنطقة العربية خصوصاً
- وحتى تعرف توجهاتهم وأفكارهم ومطالبهم؟
- هل وظفت “أجهزة الاستخبارات” مواقع التواصل الاجتماعي لإسقاط الأنظمة العربية
- ودعمت الشباب أثناء ثورات الربيع العربي مما جعل الحكومات والأنظمة العربية تسارع بإغلاق هذه المواقع بل والإنترنت كله عن دولهم؟
غير متوفر في المخزون
الوزن | 1 كيلوجرام |
---|---|
Author | إيهاب خليفة |
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.